وكان محمّد بن عمرويه صاحب الشرطة فركب وقاتله العامّة لأنّه كان من أكبر أعوان عبد الله بن المعتزّ فهزموه، وقلّد المقتدر مكانه من يومه مونسا الخازن. « افتح الباب. » فقال: « لا يمكنني لأنّ وراءه من الرجّالة والجيش من لا يحصى لأنّه قد جيء برأس نازوك إلى ها هنا. « يا قوم، نسلّم الأمر هكذا، لم لا نجرّد أنفسنا في دفع ما قد أظلّنا؟ » وسأله تقليد من ضمن هذا الضمان فأعفاه من الأمر. فلما قضى القرمطي لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيرا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام، ويا حبذا تلك القتلة وتلك الضجعة، وذلك المدفن والمكان، ومع هذا لم يغسلوا ولم يكفنوا ولم يصلِّ عليهم لأنهم محرمون شهداء في نفس الأمر. وحكى القاضي أبو الحسن محمّد بن صالح الهاشمي: أنّ القاضي أبا عمر محمّد بن يوسف حدّثه أنّ العبّاس بعد إتمامه أمر المقتدر استصباه، وكثر كلام الناس.
» وأخذوا طريق الصحراء تقديرا منهم أن يتبعهم الجيش ويصيروا إلى سرّ من رأى فيثبت أمرهم فلم يتبعهم أحد، فلمّا رأى محمّد بن داود نزل عن دابّته لمّا حاذى داره ودخلها واستتر ونزل عبد الله بن المعتزّ في موضع آخر ومشى إلى دجلة وانحدر إلى دار أبي عبد الله بن الجصّاص ودخلها واستجار به، ففرّ الناس على وجوههم ووقعت الفتنة والنهب والغارة والقتل ببغداد. قال وكان فعله هذا من إظهار البرص بجسمه حيلة ومكرا وإنما أراد قلع المرآة من المنارة ليبطل فعلها، فسار إليه في ألف مركب وكان من شرط هذه الجمة أن لا يمنع منها أحد يريد الاستشفاء بها فلما سار إليها فتحوا له أبوابها الشارعة إلى البحر فدخلها وكانت الجمة في وسط المدينة بإزاء المعاريج التي تجلس العلماء عليها فاستحم في مائها أياما ثم ذكر أنه قد عوفي من دائه وذهب ما كان به من بلوائه ولما أشرف على هذه الجمة وما تشفي من الأدواء وكان قد تمكن من البلد بكثرة رجاله فقال هذه أضر من المراة ثم أمر بها فغورت وأمر أن تقلع المراة ففعل وأنفذ مركبا إلى القسطنطينية وآخر إلى أفرنجة وأمر من أشرف على المنارة ونظر إلى المركبين إذا دخلا القسطنطينية وأفرنجة وخرجا منها فأعلم أنهما لما بعدا عن الإسكندرية يسيرا غابا عنه فعاد إلى بلاده وقد أمن غائلة المرآة، وقيل إن أول من عمر المنارة امرأة يقال لها دلوكة بنت زبا وسيأتي ذكرها في هذا الكتاب في حائط العجوز وغيره، وقيل بل عمرتها ملكة من ملوك الروم يقال لها قلبطرة وهي في زعم بعضهم التي ساقت الخليج إلى الإسكندرية حتى جاءت به إلى مدينتها وكان الماء لا يصل إلا إلى قرية يقال لها كسا، والأخبار والأحاديث عن مصر وعن الإسكندرية ومنارتها من باب حدث عن البحر ولا حرج وكثرها باطل وتهاويل لا يقبلها إلا جاهل، ولقد دخلت الإسكندرية وطوفتها فلم أر فيها ما يعجب منه إلا عمودا واحدا يعرف الان بعمود السواري تجاه باب من أبوابها يعرف بباب الشجرة فإنه عظيم جدا هائل كأنه المنارة العظيمة وهو قطعة واحدة مدور منتصب على حجر عظيم كالبيت المربع قطعة واحدة أيضا وعلى رأس العمود حجر اخر مثل الذي في أسفله فهذا يعجز أهل زماننا عن معالجة مثله في قطعه من مقطعه وجنبه من موضعه ثم نصبه على ذلك الحجر ورفع الآخر إلى أعلاه ولو اجتمع عليه أهل الإسكندرية بأجمعهم فهو يدل على شدة حامليه وحكمة ناصبيه وعظمة همة الآمر به، وحدثني الوزير الكبير الصاحب العالم جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي أدام الله أيامه ثم وقفت على مثل ما حكاه سواء في بعض الكتب وهو كتاب ابن الفقيه وغيره أنه شاهد في جبل بأرض أسوان عمودا قد نقر وهندم.
بعد أن ذكر سبحانه وصية العزيز لامرأته بإكرام مثواه، وعلل ذلك بحسن الرجاء فيه ثم بين عنايته سبحانه به وتمهيد سبل كماله بتمكينه في الأرض - ذكر هنا مراودة امرأته له ونظرها إليه بغير العين التي نظر بها زوجها إليه وأرادت منه غير ما أراده هو وما أراد الله من فوقهما وأعدت العدة لذلك فغلقت الأبواب فهرب منها إلى باب المخدع فقدّت قميصه من خلف ووجدا زوجها بالباب الخارجي فبادرت إلى اتهامه بالسوء إلى أن استبانت براءته. « إن لم تصحّ نيّته لم تغن فيه اليمين وإن صحّت استغنى عنها وله الله راع وكفيل، على أنى لا أغدر به ولا أنكبه. وكان خرج في الوقت الذي خرج فيه ابن المعتزّ من داره أبو الحسن عليّ بن عيسى ومحمّد بن عبدون مع من خرج من دار عبد الله بن المعتزّ، واستتروا في منزل رجل يبيع البقل، ونذر بهما العامّة، فكبسوهما وأخرجوهما وسلّموهما إلى بعض خدم المقتدر المجتازين في الطرق، فأركبهما جميعا على بغل أكاف كان معه، ولحقهما في الطريق من العامّة أذى شديد حتى حصلا في الدار ووكّل بهما. واستوزر أبا عبد الله محمّد بن داود بن الجرّاح وقلّد عليّ بن عيسى الدواوين والأصول ومحمّد بن عبدون دواوين الأزمّة، ونفذت الكتب إلى الأمصار كلّها عن عبد الله بن المعتزّ، ووجّه إلى المقتدر بالله يأمره بالانصراف إلى دار ابن طاهر مع والدته لينتقل هو إلى دار الخلافة، فأجيب بالسمع والطاعة.
فقتلهم تلك الليلة سوى عليّ بن عيسى ومحمّد بن عبدون والقاضي أبو عمر والقاضي محمّد بن خلف فإنّ هؤلاء سلموا. وقبض في ذلك اليوم على وصيف بن صور مطابخ المنيوماتكين وخرطامش ويمن وفاتك وجماعة ممّن كان حاضرا دار ابن المعتزّ وفيهم القاضي أبو عمر محمّد بن يوسف والقاضي أبو المثنّى أحمد بن يعقوب والقاضي محمّد بن خلف بن وكيع واعتقل الكلّ في دار الخلافة وسلّموا إلى مونس الخازن. فانصرف في آخر النهار وحمل ما قدر عليه من ماله وحرمه وولده، وسار بالليل إلى الموصل، ولم يكن بقي مع المقتدر من رؤساء القوّاد غير مونس الخادم ومونس الخازن وغريب الخال والحاشية. كان التدبير وقع بين محمّد بن داود بن الجرّاح مع الحسين بن حمدان على إزالة أمر المقتدر بالله ونصب عبد الله بن المعتزّ مكانه، وواطأ على ذلك جماعة من القوّاد والكتّاب والقضاة. قلت: ورشة المنيوم الرياض قد تقدم أن مروان ساقط من العدد لأنه باغ ومعاوية بن يزيد كذلك لأن ابن الزبير بويع له بعد موت يزيد وخالف عليه معاوية بالشام فهما واحد وإبراهيم الذي بعد يزيد الناقص لم يتم له أمر فإن قوما بايعوه بالخلافة وآخرين لم يبايعوه وقوم كانوا يدعونه بالإمارة دون الخلافة ولم يقم سوى أربعين يوما أو سبعين يوما فعلى هذا مروان الحمار سادس لأنه الثاني عشر من معاوية والأمين بعده سادس.